أكّد ممثّل المفوضيّة السّامية للأمم المتحدة لشؤون اللّاجئين في لبنان، إيفو فرايسن، أنّه "لا توجد مؤامرة دوليّة لإبقاء النازحين السوريين في لبنان، كما أنّه لا توجد أجندة خفيّة في هذا الشّأن"، لافتًا إلى أنّ "المفوضيّة كانت دائمًا شفّافة جدًّا بشأن موقفها القائل إنّ الأمم المتحدة، بما في ذلك مفوضيّة اللّاجئين، لا تعوق عودة النّازحين إلى سوريا، وتدعم العودة الطّوعيّة والآمنة والكريمة لهم".
وأشار، في حديث لصحيفة "الشّرق الأوسط"، إلى أنّ المفوضيّة ستدعو خلال مؤتمر بروكسل الثّامن لـ"دعم مستقبل سوريا والمنطقة"، الّذي يعقده الاتحاد الأوروبي في 27 أيّار الحالي، إلى "زيادة الدّعم داخل سوريا، وكذلك في البلدان المجاورة لسوريا"، موضحًا أنّها ستحثّ المجتمع الدولي على "استكشاف ما هو ممكن فيما يتعلّق بالتّعامل بشأن سوريا، فنحن نعترف بأن هذا أمر صعب وحسّاس وربّما يستغرق بعض الوقت، ولكن إذا أردنا عودة النّازحين فعلينا أن ننظر إلى ظروف العودة في سوريا".
وركّز فرايسن على أنّ "إحدى الرّسائل الرّئيسيّة للمفوضيّة في بروكسل، هي أنّه إذا أرادت سوريا والمجتمع الدّولي عودة مزيد من النّازحين، فيجب تهيئة ظروف العودة بشكل أكبر، وهذه مسؤوليّة تقع على عاتق السّلطات السّوريّة. ونحن نحاول أن نبذل قصارى جهدنا للمشاركة بشكل بنَّاء، لكن الأمر يتطلّب أكثر بكثير من جهود المفوضيّة حصرًا، ومن الواضح أنّ هذا أمر يتجاوز نطاق وكالة تابعة للأمم المتحدة"، متوقّعًا أن "تلتف الدّول الأعضاء حول هذه القضيّة، وأن تجد طريقةً لإجراء حوار بنَّاء حول هذا الموضوع... وفي غضون ذلك، سندعو إلى دعم مستدام وكبير للبلدان الرّئيسيّة المضيفة للنّازحين المحيطة بسوريا".
وجزم أنّ "المفوضيّة لا تعوق عودة النازحين إلى سوريا، لكنها تسعى لأن تكون الحلول الدائمة والعودة الآمنة ممكنة لأعداد أكبر من النازحين"، مبيّنًا أنّ "هناك عدداً من الأسباب التي تجعل الناس لا يزالون غير قادرين على العودة، ومجرد وقف المساعدة في لبنان لن يساعد".
كما ذكر أنّ "أغلبية النازحين السوريين يريدون العودة إلى سوريا، والسؤال ليس إذا كان ذلك ممكناً، بل متى؟ إذ إن معظمهم يقولون للمفوضية إنهم ما زالوا يشعرون بالقلق بشأن السلامة والأمن والمأوى والوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، فالسلامة والأمن يتجاوزان القضايا المتعلقة بالنزاعات المسلحة، كما أن الخوف من الاعتقال والاحتجاز، وعدم القدرة على التنبؤ بما سيكون عليه الواقع بما يتعلق بالخدمة العسكرية؛ يشكلان أيضاً مصدراً للقلق".
وشدّد فرايسن على أن "تهيئة ظروف أكثر ملاءمة داخل سوريا أمر بالغ الأهمية، ونحن نسعى للمساهمة في تسهيل مثل هذه الظروف. ومع ذلك، فمن الأهمية بمكان أن ندرك أن هناك تحديات كبيرة تمتد إلى ما هو أبعد من نطاق العمل الإنساني"، كاشفًا أنّ "المفوضية تعمل مع جميع المعنيين، بما في ذلك الحكومة السورية والحكومة اللبنانية، وغيرها من البلدان المضيفة المجاورة، وكذلك المجتمع الدولي، لمعالجة المخاوف التي يعدها النازحون عقبات أمام عودتهم بأعداد كبيرة؛ فضلاً عن زيادة الدعم داخل سوريا".
وأضاف: "المفوضية وشركاؤها يقدمون الدعم داخل سوريا للمجتمعات التي تستقبل العائدين. وتلحظ المساعدات المأوى، المساعدة القانونية، الحصول على الوثائق المدنية، توزيع مواد الإغاثة، الوصول إلى سبل العيش، إعادة تأهيل المدارس والمرافق الصحية وغيرها من البنى التحتية المدنية".
واعتبر أنّ "الحل هو داخل سوريا، ونحن نتحدث بانتظام مع النازحين ونجري استطلاعات، وهم يشيرون باستمرار إلى أن الأسباب التي تؤثر في قرارهم بالعودة مرتبطة بالوضع داخل سوريا. لقد قمنا على مستوى المفوضية بإثارة هذه القضايا مع السلطات السورية، ولكننا نلاحظ أيضاً أن هذه مسألة معقدة تتطلب مشاركة مجموعة من الجهات الفاعلة خارج المجال الإنساني".
وتناول ممقّل المفوضيّة الوضع داخل لبنان، مؤكدًا أن "المفوضية تعي وتقدر ما يفعله لبنان والدول المجاورة الأخرى في المنطقة، وأماكن أخرى حول العالم، في ما يتعلق باستضافة النازحين، خصوصاً عندما تصبح استضافتهم طويلة الأمد وأكثر صعوبة، ومع ذلك فإن البحث عن حلول هو عملية معقدة"، داعيًا جميع الجهات الفاعلة إلى "ضمان عدم تفاقم الوضع الصعب بسبب التوترات الكبيرة وزيادة جوانب الضعف، لذلك عندما تتصاعد التوترات، تكرر المفوضية دعوة الحكومة والسلطات اللبنانية للحفاظ على الهدوء وضبط النفس".
وأفاد بأن "أعمال العنف والتهديدات العشوائية ضد السوريين خلقت حالة من الذعر بين العائلات السورية في لبنان، وأن المفوضية تراقب هذه التطورات من كثب، وتتابع الحالات الفردية للنازحين الذين أبلغوا عن تعرضهم للإساءة أو العنف أو الإخلاء. وتدعو المفوضية المجتمعات اللبنانية إلى الامتناع عن إلقاء اللوم بشكل جماعي وظالم على الأفراد السوريين، وحمايتهم من استهدافهم بجرائم لم يرتكبوها"، ملاحظاً أنه "للأسف، فإن التمييز والكراهية ضد النازحين في ارتفاع على مستوى العالم، بما في ذلك في لبنان".
إلى ذلك، عبّر عن قلقه الشديد بشأن "كمية السلبية والمعلومات المضللة والتحريض التي يجري توجيهها إلى النازحين السوريين"، مشيرًا إلى "أنّني أتفهم الإحباط، خصوصاً وسط الأزمة المتعددة الأوجه التي يمر بها لبنان، لكن هذا الخطاب المتنامي ضد النازحين يضر بالجميع، وينبغي أن تسود روح التضامن والاحترام المتبادل التي كانت السمة المميزة للمجتمعات في لبنان".
وبملف "داتا" النازحين التي باتت بحوزة الأمن العام اللبناني، الذي طالب بـ"داتا" أكثر تفصيلاً، لفت فرايسن إلى أنّ "المفوضية تأخذ طلب الأمن العام اللبناني في ما يتعلق ببيانات النازحين السوريين على محمل الجد، ونحن، بالتعاون مع مقرنا الرئيسي، بصدد مراجعة الطلب بدقة، إذ ندرك الاهتمام المشروع للحكومة اللبنانية بمعرفة الأشخاص الموجودين على أراضيها. لذلك توصلنا إلى اتفاق لتبادل البيانات في 8 آب الماضي، وتلتزم هذه الاتفاقية التي تعتمد على تعاوننا الطويل الأمد مع الحكومة اللبنانية، بالحماية الدولية والمعايير العالمية لحماية البيانات".
وأعلن أنّ "تماشياً مع الاتفاقية، قامت المفوضية بنقل البيانات الحيوية الأساسية للنازحين السوريين في لبنان لمرة واحدة في كانون الأول 2023. ومن خلال استكمال عملية نقل البيانات الشخصية هذه، تكون المفوضية قد أوفت بالتزامها بموجب هذه الاتفاقية. بالمقابل، التزمت الحكومة اللبنانية بعدم استخدام أي بيانات مشتركة لأغراض تتعارض مع القانون الدولي، وأكدت التزامها بمبدأ عدم الإعادة القسرية بموجب القانون الدولي".
وعن ملف الهجرة غير الشرعية من لبنان إلى أوروبا، أوضح أن "النازحين في لبنان يردون ذلك إلى عدم قدرتهم على البقاء على قيد الحياة بسبب الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي في لبنان، وعدم حصولهم على الخدمات الأساسية، كما أشاروا إلى تصاعد التوترات الاجتماعية والتدابير التقييدية، فضلاً عن خوفهم من الترحيل. ويقترن ذلك مع انخفاض ملحوظ في الدعم التمويلي الدولي للبنان، الذي يستضيف منذ فترة طويلة عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين".
وكشف فرايسن أن "في الفترة من كانون الثاني إلى 17 نيسان 2024، تحققت المفوضية في لبنان من 59 حركة فعلية أو محاولة دخول، شملت ما مجموعه 3191 راكباً، معظمهم من السوريين. وبالمقارنة، لم تكن هناك سوى 3 تحركات للقوارب خلال الفترة نفسها من عام 2023، شملت 54 راكباً. وطوال عام 2023، تحققت المفوضية من إجمالي 65 حركة فعلية أو محاولة للقوارب، تضم 3927 راكباً في المجمل".